المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شاعر الأندلس .... ابن زيدون



toty_noty
02-May-2010, 07:00 AM
شاعرنا اليوم هو الوزير و السفير (( ابن زيدون ))
سفير ابن جهور " أحد مماليك الطوائف " .. ووزير المعتضد (( معتضد إشبيلية )) ..وشاعر المغرب لقب ببحتري المغرب.
برع "ابن زيدون" في الشعر كما برع في فنون النثر، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعين وأجملهم شعرًا وأدقهم وصفًا وأصفاهم خيالا، كما تميزت كتاباته النثرية بالجودة والبلاغة، وتعد رسائله من عيون الأدب العربي.

الميلاد والنشأة
ولد الشاعر "أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي" سنة [394هـ= 1003م] بالرصافة من ضواحي قرطبة، وهي الضاحية التي أنشأها "عبد الرحمن الداخل" بقرطبة، واتخذها متنزهًا له ومقرًا لحكمه، ونقل إليها النباتات والأشجار النادرة، وشق فيها الجداول البديعة حتى صارت مضرب الأمثال في الروعة والجمال، وتغنّى بها الكثير من الشعراء.

وفي هذا الجو الرائع والطبيعة البديعة الخلابة نشأ ابن زيدون؛ فتفتحت عيناه على تلك المناظر الساحرة والطبيعة الجميلة، وتشربت روحه بذلك الجمال الساحر، وتفتحت مشاعره، ونمت ملكاته الشاعرية والأدبية في هذا الجو الرائع البديع.

وينتمي "ابن زيدون" إلى قبيلة "بني مخزوم" العربية، التي كانت لها مكانة عظيمة في الجاهلية والإسلام، وعرفت بالفروسية والشجاعة.

وكان والده من فقهاء "قرطبة" وأعلامها المعدودين، كما كان ضليعًا في علوم اللغة العربية، بصيرًا بفنون الأدب، على قدر وافر من الثقافة والعلم.

أما جده لأمة "محمد بن محمد بن إبراهيم بن سعيد القيسي" فكان من العلماء البارزين في عصره، وكان شديد العناية بالعلوم، وقد تولى القضاء بمدينة "سالم"، ثم تولى أحكام الشرطة في "قرطبة".

كفالة الجد

وما كاد "ابن زيدون" يبلغ الحادية عشرة من عمره حتى فقد أباه، فتولى جده تربيته، وكان ذا حزم وصرامة، وقد انعكس ذلك على أسلوب تربيته لحفيده، وهو ما جنبه مزالق الانحراف والسقوط التي قد يتعرض لها الأيتام من ذوي الثراء.

واهتم الجد بتربية حفيده وتنشئته تنشئة صحيحة وتعليمه العربية والقرآن والنحو والشعر والأدب، إلى غير ذلك من العلوم التي يدرسها عادةً الناشئة، ويقبل عليها الدارسون.

وتهيأت لابن زيدون -منذ الصغر- عوامل التفوق والنبوغ، فقد كان ينتمي إلى أسرة واسعة الثراء، ويتمتع بالرعاية الواعية من جده وأصدقاء أبيه، ويعيش في مستوى اجتماعي وثقافي رفيع، فضلا عما حباه الله به من ذكاء ونبوغ، وما فطره عليه من حب للعلم والشعر وفنون الأدب.

toty_noty
02-May-2010, 07:01 AM
كفالة الجد

وما كاد "ابن زيدون" يبلغ الحادية عشرة من عمره حتى فقد أباه، فتولى جده تربيته، وكان ذا حزم وصرامة، وقد انعكس ذلك على أسلوب تربيته لحفيده، وهو ما جنبه مزالق الانحراف والسقوط التي قد يتعرض لها الأيتام من ذوي الثراء.

واهتم الجد بتربية حفيده وتنشئته تنشئة صحيحة وتعليمه العربية والقرآن والنحو والشعر والأدب، إلى غير ذلك من العلوم التي يدرسها عادةً الناشئة، ويقبل عليها الدارسون.

وتهيأت لابن زيدون -منذ الصغر- عوامل التفوق والنبوغ، فقد كان ينتمي إلى أسرة واسعة الثراء، ويتمتع بالرعاية الواعية من جده وأصدقاء أبيه، ويعيش في مستوى اجتماعي وثقافي رفيع، فضلا عما حباه الله به من ذكاء ونبوغ، وما فطره عليه من حب للعلم والشعر وفنون الأدب.

ابن زيدون متعلمًا

ومما لا شك فيه أن "ابن زيدون" تلقى ثقافته الواسعة وحصيلته اللغوية والأدبية على عدد كبير من علماء عصره وأعلام الفكر والأدب في الأندلس، في مقدمتهم أبوه وجده، ومنهم كذلك "أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلح" النحوي المتوفى سنة [433هـ=1042م] وكان رجلاً متدينًا، وافر الحظ من العلم والعقيدة، سالكًا فيها طريق أهل السنة، له باع كبير في العربية ورواية الشعر.

كما اتصل "ابن زيدون" بكثير من أعلام عصره وأدبائه المشاهير، فتوطدت علاقته -في سن مبكرة- بأبي الوليد بن جَهْور الذي كان قد ولي العهد ثم صار حاكمًا، وكان حافظًا للقرآن الكريم مجيدًا للتلاوة، يهتم بسماع العلم من الشيوخ والرواية عنهم، وقد امتدت هذه الصداقة بينهما حتى جاوز الخمسين، وتوثقت علاقته كذلك بأبي بكر بن ذَكْوان الذي ولي منصب الوزارة، وعرف بالعلم والعفة والفضل، ثم تولى القضاء بقربة فكان مثالا للحزم والعدل، فأظهر الحق ونصر المظلوم، وردع الظالم.

.. وزيرًا

كان "ابن زيدون" من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة؛ ومن ثم فقد كان من الطبيعي أن يشارك في سير الأحداث التي تمر بها.

وقد ساهم "ابن زيدون" بدور رئيسي في إلغاء الخلافة الأموية بقرطبة، كما شارك في تأسيس حكومة جَهْوَرِيّة بزعامة "ابن جهور"، وإن كان لم يشارك في ذلك بالسيف والقتال، وإنما كان له دور رئيسي في توجيه السياسة وتحريك الجماهير، وذلك باعتباره شاعرًا ذائع الصيت، وأحد أعلام "قرطبة" ومن أبرز أدبائها المعروفين، فسخر جاهه وثراءه وبيانه في التأثير في الجماهير، وتوجيه الرأي العام وتحريك الناس نحو الوجهة التي يريدها.

وحظي "ابن زيدون" بمنصب الوزارة في دولة "ابن جهور"، واعتمد عليه الحاكم الجديد في السفارة بينه وبين الملوك المجاورين، إلا أن "ابن زيدون" لم يقنع بأن يكون ظلا للحاكم، واستغل أعداء الشاعر ومنافسوه هذا الغرور منه وميله إلى التحرر والتهور فأوغروا عليه صدر صديقه القديم، ونجحوا في الوقيعة بينهما، حتى انتهت العلاقة بين الشاعر والأمير إلى مصيرها المحتوم.

ابن زيدون وولادة

كان ابن زيدون شاعرًا مبدعًا مرهف الإحساس، وقد حركت هذه الشاعرية فيه زهرة من زهرات البيت الأموي، وابنة أحد الخلفاء الأمويين، وهي "ولادة بنت المستكفي"، وكانت شاعرة أديبة، جميلة الشكل، شريفة الأصل، عريقة الحسب، وقد وصفت بأنها "نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا".

وأثنى عليها كثير من معاصريها من الأدباء والشعراء، وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها، وسرعة بديهتها، وموهبتها الشعرية الفائقة، فقال عنها "الصنبي": "إنها أديبة شاعرة جزلة القول، مطبوعة الشعر، تساجل الأدباء، وتفوق البرعاء".

وبعد سقوط الخلافة الأموية في "الأندلس" فتحت ولادة أبواب قصرها للأدباء والشعراء والعظماء، وجعلت منه منتديًا أدبيًا، وصالونًا ثقافيًا، فتهافت على ندوتها الشعراء والوزراء مأخوذين ببيانها الساحر وعلمها الغزير.

وكان "ابن زيدون" واحدًا من أبرز الأدباء والشعراء الذين ارتادوا ندوتها، وتنافسوا في التودد إليها، ومنهم "أبو عبد الله بن القلاس"، و"أبو عامر بن عبدوس" اللذان كانا من أشد منافسي ابن زيدون في حبها، وقد هجاهما "ابن زيدون" بقصائد لاذعة، فانسحب "ابن القلاسي"، ولكن "ابن عبدوس" غالى في التودد إليها، وأرسل لها برسالة يستميلها إليه، فلما علم "ابن زيدون" كتب إليه رسالة على لسان "ولادة" وهي المعروفة بالرسالة الهزلية، التي سخر منه فيها، وجعله أضحوكة على كل لسان، وهو ما أثار حفيظته على "ابن زيدون"؛ فصرف جهده إلى تأليب الأمير عليه حتى سجنه، وأصبح الطريق خاليًا أمام "ابن عبدوس" ليسترد مودة "ولادة".

الفرار من السجن

وفشلت توسلات "ابن زيدون" ورسائله في استعطاف الأمير حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى "إشبيلية"، وكتب إلى ولادة بقصيدته النونية الشهيرة التي مطلعها:

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا


وما لبث الأمير أن عفا عنه، فعاد إلى "قرطبة" وبالغ في التودد إلى "ولادة"، ولكن العلاقة بينهما لم تعد أبدًا إلى سالف ما كانت عليه من قبل، وإن ظل ابن زيدون يذكرها في أشعاره، ويردد اسمها طوال حياته في قصائده.

ولم تمض بضعة أشهر حتى توفي الأمير، وتولى ابنه "أبو الوليد بن جمهور" صديق الشاعر الحميم، فبدأت صفحة جديدة من حياة الشاعر، ينعم فيها بالحرية والحظوة والمكانة الرفعية.

ولكن خصوم الشاعر ومنافسيه لم يكفوا عن ملاحقته بالوشايات والفتن والدسائس حتى اضطر الشاعر ـ في النهاية ـ إلى مغادرة "قرطبة" إلى "إشبيلية" وأحسن "المعتضد بن عباد" إليه وقربه، وجعله من خواصه وجلسائه، وأكرمه وغمره بحفاوته وبره.

toty_noty
02-May-2010, 07:02 AM
في إشبيلية

واستطاع "ابن زيدون" بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن يأخذ مكانة بارزة في بلاط "المعتضد"، حتى أصبح المستشار الأول للأمير، وعهد إليه "المعتضد"، بالسفارة بينه وبين أمراء الطوائف في الأمور الجليلة والسفارات المهمة، ثم جعله كبيرًا لوزرائه، ولكن "ابن زيدون" كان يتطلع إلى أن يتقلد الكتابة وهي من أهم مناصب الدولة وأخطرها، وظل يسعى للفوز بهذا المنصب ولا يألو جهدًا في إزاحة كل من يعترض طريقه إليه حتى استطاع أن يظفر بهذا المنصب الجليل، وأصبح بذلك يجمع في يديه أهم مناصب الدولة وأخطرها وأصبحت معظم مقاليد الأمور في يده.

وقضى "ابن زيدون" عشرين عامًا في بلاط المعتضد، بلغ فيها أعلى مكانة، وجمع بين أهم المناصب وأخطرها.

فلما توفي "المعتضد" تولى الحكم من بعده ابنه "المعتمد بن عباد"، وكانت تربطه بابن زيدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة، وكان مفتونًا به متتلمذًا عليه طوال عشرين عامًا، وكان بينهما كثير من المطارحات الشعرية العذبة التي تكشف عن ود غامر وصداقة وطيدة.

المؤامرة على الشاعر

وحاول أعداء الشاعر ومنافسيه أن يوقعوا بينه وبين الأمير الجديد، وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى "المعتمد" العرش خلفًا لأبيه، فدسوا إليه قصائد يغرونه بالفتك بالشاعر، ويدعون أنه فرح بموت "المعتضد"، ولكن الأمير أدرك المؤامرة، فزجرهم وعنفهم، ووقّع على الرقعة بأبيات جاء فيها:

كذبت مناكم، صرّحوا أو جمجموا
الدين أمتن، والمروءة أكرم

خنتم ورمتم أن أخون، وإنما
حاولتمو أن يستخف "يلملم"


وختمها بقوله محذرًا ومعتذرًا:

كفوا وإلا فارقبوا لي بطشةً
تلقي السفيه بمثلها فيحلم


وكان الشاعر عند ظن أميره به، فبذل جهده في خدمته، وأخلص له، فكان خير عون له في فتح "قرطبة"، ثم أرسله المعتمد إلى "إشبيلية" على رأس جيشه لإخماد الفتنة التي ثارت بها، وكان "ابن زيدون" قد أصابه المرض وأوهنته الشيخوخة، فما لبث أن توفي بعد أن أتمّ مهمته في [ أول رجب 463هـ= 4 من إبريل 1071م] عن عمر بلغ نحو ثمانية وستين عامًا.

غزليات ابن زيدون

يحتل شعر الغزل نحو ثلث ديوان "ابن زيدون"، وهو في قصائد المدح يبدأ بمقدمات غزلية دقيقة، ويتميز غزله بالعذوبة والرقة والعاطفة الجياشة القوية والمعاني المبتكرة والمشاعر الدافقة التي لا نكاد نجد لها مثيلا عند غيره من الشعراء إلا المنقطعين للغزل وحده من أمثال "عمر بن أبي ربيعة"، "وجميل بن مَعْمَر"، و"العبّاس بن الأحنف".

ومن عيون شعره في الغزل تلك القصيدة الرائعة الخالدة التي كتبها بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى "إشبيلية"، ولكن قلبه جذبه إلى محبوبته بقرطبة فأرسل إليها بتلك الدرة الفريدة (النونية) التي يقول في مطلعها:

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا


الوصف عند ابن زيدون

انطبع شعر "ابن زيدون" بالجمال والدقة وانعكست آثار الطبيعة الخلابة في شعره، فجاء وصفه للطبيعة ينضح بالخيال، ويفيض بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الجياشة، وامتزج سحر الطبيعة بلوعة الحب وذكريات الهوى، فكان وصفه مزيجًا عبقريًا من الصور الجميلة والمشاعر الدافقة، ومن ذلك قوله:

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا
والأفق طلق، ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله
كأنه رق لي فاعتل إشفاقًا

والروض عن مائة الفضي مبتسم
كما شققت عن اللبات أطواقًا

نلهو بما يستميل العين من زهر
جال الندى فيه حتى مال أعناقًا

كأنه أعينه ـ إذ عاينت أرقي ـ
بكت لما بي، فجال الدمع رقراقا

ورد تألق في ضاحي منابته
فازداد منه الضحى في العين إشراقًا

سرى ينافحه نيلوفر عبق
وسنان نبه منه الصبح أحداقًا


الإخوانيات الشعرية عند ابن زيدون

كان "ابن زيدون" شاعرًا أصيلا متمكنا في شتى ضروب الشعر ومختلف أغراضه، وكان شعره يتميز بالصدق والحرارة والبعد عن التكلف، كما كان يميل إلى التجديد في المعاني، وابتكار الصور الجديدة، والاعتماد على الخيال المجنح؛ ولذا فقد حظي فن الإخوانيات عنده بنصيب وافر من هذا التجديد وتلك العاطفة، ومن ذلك مناجاته الرقيقة لصديقه الوفي "أبي القاسم":

يا أبا القاسم الذي كان ردائي
وظهيري من الزمان وذخري

هل لخالي زماننا من رجوع
أم لماضي زماننا من مكرِّ؟

أين أيامنا؟ وأين ليال
كرياض لبسن أفاق زهر؟
الفنون النثرية عند ابن زيدون

اتسم النثر عند "ابن زيدون" بجمال الصياغة، وكثرة الصور والأخيلة، والاعتماد على الموسيقا، ودقة انتقاء الألفاظ حتى أشبه نثره شعره في صياغته وموسيقاه، وقد وصف "ابن بسام" رسائله بأنها "بالنظم الخطير أشبه منها بالمنثور".

وبالرغم من جودة نثر "ابن زيدون" فإنه لم يصل إلينا من آثاره النثرية إلا بعض رسائله الأدبية، ومنها:

· الرسالة الهزلية: التي كتبها على لسان "ولادة بنت المستكفي" إلى "ابن عبدوس" وقد حمل عليه فيها، وأوجعه سخرية وتهكمًا، وتتسم هذه الرسالة بالنقد اللاذع والسخرية المريرة، وتعتمد على الأسلوب التهكمي المثير للضحك، كما تحمل عاطفة قوية عنيفة من المشاعر المتبانية: من الغيرة والبغض والحب، والحقد، وتدل على عمق ثقافة "ابن زيدون" وسعة اطلاعه.

وقد شرحها "جمال الدين بن نباتة المصري" في كتابه: "سرح العيون"، كما شرحها "محمد بن البنا المصري" في كتابه: "العيون".

الرسالة الجدية: وقد كتبها الشاعر في سجنه في أخريات أيامه، يستعطف فيها الأمير "أبا الحزم" ويستدر عفوه ورحمته، وهي أيضًا تشتمل على الكثير من الاقتباسات والأحداث والأسماء.

ومع أن الغرض من رسالته كان استعطاف الأمير إلا أن شخصية "ابن زيدون" القوية المتعالية تغلب عليه، فإذا به يدلّ على الأمير بما يشبه المنّ عليه، ويأخذه العتب مبلغ الشطط فيهدد الأمير باللجوء إلى خصومه.

ولكن الرسالة ـ مع ذلك ـ تنبض بالعاطفة القوية وتحرك المشاعر في القلوب، وتثير الأشجان في النفوس.

وقد شرحها "صلاح الدين الصفدي" في كتابه: "تمام المتون"، و"عبد القادر البغدادي" في كتابه: "مختصر تمام المتون".

بالإضافة إلى هاتين الرسالتين فهناك رسالة الاستعطاف التي كتبها الشاعر بعد فراره من سجنه وعودته من "إشبيلية" إلى "قرطبة" مستخفيًا ينشد الأمان، ويستشفع بأستاذه "أبي بكر مسلم بن أحمد" عند الأمير.

وهذه الرسالة تعد أقوى رسائل "ابن زيدون" جميعًا من الناحية الفنية، وتمثل نضجًا ملحوظًا وخبرة كبيرة ودراية فائقة بأساليب الكتابة، وبراعة وإتقان في مجال الكتابة النثرية.

ولابن زيدون كتاب في تاريخ بني أمية سماه "التبيين" وقد ضاع الكتاب، ولم تبق منه إلا مقطوعتان، حفظهما لنا "المقري" في كتابه الكبير: "نفح الطيب".

toty_noty
02-May-2010, 07:02 AM
نبدأ بأشهر قصائد ابن زيدون .. الدرة الفريدة (( النونية ))
التي كتبها في معشوقته ( ولادّة ) :



<font size"" color="" face="">

أضحى التنائي بديـلا ً عـن تدانينـاوناب عـن طيـب لقيانـا تجافينـا

ألاّ وقد حان صُبـحُ البيـن صبّحنـاحَيـنٌ فقـامَ بنـا للحَيـن ناعينـا

مـن مبلـغ الملبسينـا بانتزاحهـمحزناً مع الدهـر لا يبلـى ويبلينـا

إن الزمان الذي مـا زال يضحكنـاأنسـاً بقربهـم قـد عـاد يُبكينـا

غِيظَ العِدا من تساقينا الهوى فدعوابـأن نَغَـصّ فقـال الدهـر آمينـا

فانحلّ مـا كـان معقـوداً بأنفسنـاوانبتّ ما كـان موصـولاً بأيدينـا

وقد نكـون ومـا يُخشـى تفرّقنـافاليوم نحـن ومـا يُرجـى تلاقينـا

يا ليتَ شِعري ولم نُعتِـب أعاديَكـمهل نالَ حظّاً مـن العُتبـى أعادينـا

ما حقّنا أن تُقِرّوا عيـنَ ذي حسـدِبنـا ولا أن تَسُـرّوا كاشحـاً فينـا

كنّا نرى اليأس تسلينـا عوارضـهوقد يئسنـا فمـا لليـأس يغرينـا

بنتـم وبنّـا فمـا ابتلّـت جوانحنـاشوقـاً إليكـم ولا جفّـت مآقيـنـا

يكـاد حيـن تناجيكـم ضمائـرنـايقضي علينا الأسـى لـولا تأسينـا

حالـت لفقدكـم أيامـنـا فـغـدتسوداً وكانـت بكـم بيضـاً ليالينـا

إن جانب العيش طلـق مـن تألّفنـاومربع اللهو صاف مـن تصافينـا

وإذ هصرنا فنـون الوصـل دانيـةقطافهـا فجنينـا منـه مـا شينـا

ليسق عهدكم عهـد السـرور فمـاكنـتـم لأرواحـنـا إلاّ رياحيـنـا

لاتحسبـوا نأيكـم عنّـا يغيـرنـاأن طالمـا غيّـر النّـأي المحبّينـا

والله مـا طلبـت أهواؤنـا بــدلاًمنكم ولا انصرفـت عنكـم أمانينـا

يا ساري البرق غاد القصر واسق بهمن كان صرف الهوى والودّ يسقينا

واسأل هنالك: هـل عنّـى تذكّرنـاإلفـاً تـذكّـره أمـسـى يعنيـنـا

ويـا نسيـم الصبـا بلّـغ تحيّتنـامن لو على البعد حيّاً كـان يحيينـا

فهل أرى الدّهر يقضينـا مساعفـةمنه وإن لـم يكـن غبّـاً تقاضينـا

ربيـب ملـك كــأن الله أنـشـأهمسكاً وقدّر إنشـاء الـورى طينـا

أو صاغه ورقـاً محضـاً وتوّجـهمن ناصع التّبـر إبداعـاً وتحسينـا

إذا تــأوّد آدتـــه رفـاهـيـةتُومُ العقـود وأدمَتـه البُـرى لينـا

كانت له الشمس ظِئراً فـى أكلّتـهبـل مـا تجلّـى لهـا إلا أحايينـا

كأنّما أُثبِتَـت فـي صحـن وجنتـهوُهـرُ الكواكـب تعويـذا وتزيينـا

ما ضر إن لم نكن أكفـاءه شرفـاًوفي المـوده كـافٍ مـن تكافينـا

يا روضة طالمـا أجنـت لواحظنـاورداً جلاه الصبـا غضّـاً ونسرينـا

ويـا حيـاة تملّيـنـا بزهرتـهـامُنًـى ضُرُوبـاً ولــذّات أفانيـنـا

ويا نعيمـاً خطرنـا مـن نضارتـهفي وشي نعمى سحبنا ذيلـه حينـا

لسنـا نُسمّيـك إجـلالاً وتكـرمـةًوقدرُك المعتلـي عـن ذاك يغنينـا

إذا انفردت وما شُوركت فـي صفـةٍفحسبُنا الوصـف إيضاحـاً وتبيينـا

يا جنـة الخلـد أُبدلنـا بسلسلهـاوالكوثر العذب زقّومـاً و غسلينـا

كأننـا لـم نبـت والوصـل ثالثنـاوالسعد قد غضّ من أجفان واشينـا

إن كان قد عزّ في الدنيا اللّقاء بكـمفي موقف الحشر نلقاكـم وتلقونـا

سرّان في خاطـر الظّلمـاء يكتُمُنـاحتى يكاد لسـان الصبـح يُفشينـا

لاغرو في أن ذكرنا الحزن حين نهتعنه النهى وتركنا الصّبـر ناسينـا

إنّا قرأنا الأسى يوم النّـوى سُـوَراًمكتوبـة وأخذنـا الصّبـر تلقيـنـا

أمّـا هـواك فلـم نعـدل بمنهلـهشُرباً وإن كـان يروينـا فيُظمينـا

لم نجْف أُفْق جمـال أنـت كوكبُـهسالين عنـه ولـم نهجـره قالينـا

ولا إختيـاراً تجنّبْنـاهُ عـن كثـبلكن عدتنـا علـى كُـرْه عوادينـا

نأسى عليـك إذا حُثّـت مُشعشعـةًفينـا الشمـولُ وغنّانـا مُغنّيـنـا

لا أكْؤسُ الّراح تُبدي مـن شمائلنـاسيما ارتيـاح ولا الأوتـار تُلهينـا

دُومي على العهد مادُمنـا محافظـةفالحر من دان إنصافـاً كمـا دينـا

فما استعضْنا خليلاً منـك يحبسُنـاولا استفدنـا حبيبـاً عنـك يثنينـا

ولو صبا نحونا من علـو مطلعـهبدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشـاك يُصْبينـا

أبْكي وفاءاً وإن لـم تبذُلـي صلـةًفالطّيـفُ يقنعُنـا والذّكْـرُ يكفينـا

وفي الجواب متاعٌ إنْ شفعـت بـهبيض الأيادي التي ما زلـت تولينـا

عليك منّـا سـلامُ الله مـا بقيـتصبابـة بـك نُخْفيهـا, فَتَخْفِيـنـا

</font>

toty_noty
02-May-2010, 07:03 AM
وهذه أبيات لابن زيدون وهو في السجن يخاطب بها الوزير أبا حفص :



<font size"" color="" face="">

ما علـى ظنّـي بـأسُيجرَحُ الدهرُ ويأسـو*

ربما أشـرَفَ بالمـرءعلـى الآمـال يـأسُ

ولقـد ينجيـك إغفـالٌويـرديـكَ احـتـراسُ

والمحـاذيـرُ سـهـامٌوالمقـاديـرُ قـيـاسُ

ولكـم أجـدى قـعـودُولكم أكـدى التمـاسُ

وكـذا الدهـرُ إذا مـاعزّ نـاسٌ ، ذلّ نـاسُ

وبَنُـو الأيـام أخيـافٌسَــرَاة ٌ وخِـسـاسُ

نلبـسُ الدنيـا ولكـنمُتعـة ٌ ذاك اللـبـاسُ

يا أبا حفصٍ وما ساواكفـي فـهـم ٍ إيــاسُ

مِن سَنَا رأيك لي فـيغَسَقِ الخطبِ اقتبـاسُ

وودادي لــك نــصُّلـم يخالفـه قـيـاسُ

أنـا حيـرانُ وللأمـر ِوضــوحُ والتـبـاسُ

ما ترى في معشرٍ حالواعـن العهـد وخاسُـوا

إن قسا الدهرُ فللمـاءمن الصخـر انبجـاسُ

ولئن أمسيتُ محبوسـاًفللغـيـثِ احتـبـاسُ

</font>

toty_noty
02-May-2010, 07:03 AM
ومن روائع قصائده :



<font size"" color="" face="">

أعرفك راح في عرف الريـاحفهز من الهوى عطف ارتياحي

وذكرك ما تعـرض ام عـذابغصصت عليه بالعذب القـراح

وهل انا منك في نشوات شوقهفت بالعقـل او نشـوات راح

لعمر هواك ما وريـت زنـادلوصل منك طال لها أقتداحـي

وكم أسقمت من قلب صحيـحبسقم جفونك المرضى الصحاح

متى أخفي الغرام يصفه جسميبألسنة الضنى الخرس الفصاح

فلو أن الثياب محصـن عنـيخفيت خفاء خصرك في وشاح

ألقينـا مـن الواشيـن حتـىرضينا الرسل أنفاس الريـاح

ورب ظلام ليـل جـن فوقـيفبت عن الصباح الى الصبـاح

فهل عدت العفاف هناك نفسيفديتك أو جنحت الـى الجنـاح

</font>

toty_noty
02-May-2010, 07:04 AM
أمـا علمـت أن الشفيـع شبـابفيقصر عن لـوم المحـب عتـاب

عـلام الصباغـض يـرف رواؤهاذا عن من الوصل الحسان ذهـاب

وفيم الهوى محض يشف صفـاؤهاذ لم يكـن منهـن عنـه ثـواب

ومسعفة بالوصل اذ مربع الحمـىلها كلمـا قظنـا الجنـاب جنـاب

تظن النوى تعدو الهوى عن مزارهاوداعي الهوى نحو البعيـد مجـاب

toty_noty
02-May-2010, 07:05 AM
إني ذكـرتك بالزهـراء مشتـاقــــــا
والأفـق طلـق ومـرأى الأرض قـد راقـــــا
- وللنسيـم اعتــلال فـي أصائله
كـأنــه رق لـي فــاعتــل إشفــاقــــــــــــا
- والروض عن مائه الفضي مبتسم
كمـا شققـت عن اللبـــات أطواقـــــــــــــا
- نلهو بما يستميل العين من زهـر
جـال النــدى فيــه حتـى مـال أعنــاقـــــــا
- كــأن أعينـه إذ عــاينت أرقــى
بكـت لمــا بـي فحــال الدمـع رقراقــــــــا
- ورد تـألق في ضاحي منابتـــه
فازداد منــه الضحى في العين اشراقـــــــا
- سـرى ينافحـه نيلوفــر عبــق
وسنــان نـبــه منـــه الصــبـح أحداقــــــــا
- كل يهيج لنا ذكرى تشوقنــــا
أليـك لـم يعد عنها الصــدر إن ضاقـــــــــا
- لاسكن الله قلبا عق ذكركــــم
فلـم يطــــر بجنــاح الشـــــوق خفاقـــــــا
- لو شاء حملي نسيم الصبح حين سرى
وافـــاكـــم بفــتــى أضـــنـاه مــا لاقــــــــى

toty_noty
02-May-2010, 07:06 AM
يا ظبية ً لطفتْ منّي منازِلُها،*** فالقَلبُ مِنهُنّ، وَالأحداقُ والكَبِدُ
حبّي لكِ، الناسُ طرّاً يشهدون به؛*** وأنتِ شاهدة ٌ إنْ يثنِهِمْ حسدُ
لَمْ يَعْزُبِ الوَصْلُ فِيما بَينَنا أبَداً،*** لَوْ كِنتِ وَاجِدَة ً مِثْلَ الذي أجِدُ

toty_noty
02-May-2010, 07:06 AM
ورامشة ٍ يشفي العليلَ نسيمُهَا،*** مضمَّخة ُ الأنفاسِ، طيّبة ُ النّشْرِ
أشارَ بها نحوِي بنانٌ منعَّمٌ،*** لأغْيَدَ مَكْحُولِ المَدامعِ بالسّحْرِ
سرَتْ نضرة ٌ، من عهدها، في غصُونها،*** وَعُلّتْ بمِسكٍ، من شَمائِلِه الزُّهْرِ
إذا هوَ أهدَى الياسمينَ بكفّهِ، *** أخَذْتُ النّجومَ الزُّهرَ من راحة البدرِ
له خلقٌ عذبٌ وخلقٌ محسَّنٌ،*** وظرفٌ كعرفِ الطّيبِ أوْ نشوة ِ الخمرِ
يُعَلّلُ نَفسي مِن حَديثٍ تَلَذّهُ،*** كمثلِ المُنى وَالوَصْلِ في عُقُب الهجر

toty_noty
02-May-2010, 07:07 AM
هـــل تذكـــرون غريبـــاً عادهُ شجــنٌ
من ذكركم و جفا أجفانهُ الوسنُ
يخفـــي لواعجهُ و الشوقُ يفضحــهُ
فقد تساوى لديه السر و العلـــنُ
و أرق العيـن، و الظلمــــاء عاكفـــــةٌ
ورقاءُ قـــد شفها إذ شفني حَـزَنُ
فبـــت أشكو، و تشكو فـــوق أيكتها
و بات يهفــو ارتياحاً بيننا الغصــنُ
يـــــا هل أجــالسُ أقـوامـــاً أحبهــمُ؟
كنا و كانوا على عهدٍ، فقد ظعنـوا
أو تحفظـــــون عهــــوداً لا أضيعهـــــا
إن الكـــرامَ بحفــظِ العهــدِ تمتحــنُ
إن كان عادكم عيدٌ، فرب فتىً بالشو
قِ قــــد عــادهُ مـــن ذكركم حَـــزَنُ
و افردتــــه الليالـــي مــــن أحبتــــهِ
فبــــات ينشدها ممـــا جنى الزمَـــنُ
بــــمَ التعللُ لا أهــــــلٌ و لا وطـــــنُ
و لا نديـــــمٌ و لا كـــأسُ و لا سكـــنُ

toty_noty
02-May-2010, 07:07 AM
أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي،وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي؟

وَأغرِسُ في مَحَبّتِـكَ الأمانـي،فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي

لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عـن وَفَائـي؛وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْمـاً، ببَخْـسِ

ولوْ أنّ الزّمانَ أطـاعَ حكْمِـيفديْتُكَ، مِنْ مكارهِـهِ، بنَفسـي