admin
01-Mar-2018, 09:13 AM
أنا وليلى
" أنا وليلى "
يقول كاظم الساهر : عندما قرأت كلمات قصيدة ( أنا وليلى ) بحثت عن شاعرها خمس سنوات ، وأخيرا نشرت نداء عبر الصحف أستفسر فيه عن الشاعر .
ذات يوم ، قابلني رجل بدت على وجهه سمات العذاب الأليم ، أخاديد من عذابات السنين تختزلها سمرة تحيط عينيه ، وكذا نحول في جسمه ، ومرارة حزن عات يبدو على تصرفاته !
قلت له : من أنت ؟
فقال : أنا صاحب القصيدة.( استبعدت ذلك تماما لعظمة وقوة القصيدة ، وضعف وهوان الرجل) .
واستكمل حديثه قائلا : أنا حسن المرواني ، لست شاعرا ، ولكني كتبت قصة وحيدة ، لم أقل غيرها من قبل ، ولن أقول غيرها من بعد .
أنا عراقي ، من مدينة ميسان ، من عائلة فقيرة ، كنت أشقى في كل عمل ، لأجمع تكاليف الدراسة . تفوقت ، فاندفعت بشغف للتعليم .
تعرفت على فتاة متوسطة الجمال ، تليق بحالتي المتدنية ماديا ، أحببتها ، وبدى لي أنها تبادلني نفس الشعور . همتُ بها هياما شديدا ، واتفقنا على الزواج بعد التخرج مباشرة .في آخر أيام السنة الأخيرة ، أتت ليلى ومعها خطيبها ممسكان بأيدي بعضهما .
وهنا : يكمل كاظم الساهر القصة ، قائلا :
انصدم حسن المرواني الشاعر المحب الفقير ، وترك الدراسة ردحا من الزمن . ولكن إدارة الجامعة لم تطوِ قيده ، لفقره وحسن خلقه . ثم كان يوم التخرج .
القاعة تعج بالحضور ، وفجأة حضر حسن المرواني ، وجلس وسط الحضور ، ليرى ليلى عن يمينه مع خطيبها ، حبس دمعة مخنوقة في عينيه ، وفجأة تدلى ميكرفون ، وصدح متحدث يقول : أيها الحضور الكريم ، ستسمعون الآن قصيدة الخريج حسن المرواني .
تلعثم المرواني قليلا ، ثم قام وأخذ المايك بيده وبدأ القصيدة قائلا :
سألقي عليكم قصيدتي الأخيرة في هذه المسيرة . والتفت يمنة ، كانت خطيبته واقفة بجوار خطيبها الجديد ، وقال :
ماتت بمحراب عينيكِ ابتهالاتي واستسلمتْ لرياح اليأس حالاتي
جفّتْ على بابكِ الموصودِ أزمنتي= ليلى وما أثمرتْ شيئا ندائاتي!
فبكت ليلى ، وقامت وقعدت على المقعد الأخير في تلك القاعة ودموعها تحرق مآقيها ، نظر حسن المرواني إليها من جديد ، ونظر إلى خطيبها خلسة ، واسترسل قائلا :
عامان ما رفّني لحنٌ على وترٍ = ولا استفاقتْ على نورٍ سماواتي
أعتِّقُ الحب في قلبي ، وأعْصرهُ = فأرشف الهم في مُغْبَرِّ كاساتي !
وهنا اغرورقت عينا حسن المرواني بالدموع ، فأكمل قائلا :
ممزّقٌ أنا ، لا جاه ، ولا ترفٌ يغريكِ فيَّ فخلّيني لآهاتي !
لو تعصرين سنين العمر أكملها = لسال منها نزيفٌ من جراحاتي
ثم أشار إلى ليلى بسبابته واسترسل قائلا :
لوكنتُ ذا ترفٍ ما كنتِ رافضةً = حبي ولكنّ ضعف الحال مأساتي !َ
عانيتُ عانيتُ لا حزني أبوح به ولستِ تدرين شيئا عن معاناتي!
أمشي وأضحك يا ليلى مكابرة =علّي أخبي عن الناس احتضاراتي
لا الناس تعرف ما أمري فتعذرني= ولا سبيل لديهم في مواساتي!
يرسو بجفني حرمانٌ يمصّ دمي =ويستبيح إذا شاء ابتساماتي !
معذورة ليل إن أجهضتي لي أملي= ما الذّنبُ ذنبُكِ بل كانت حماقاتي
أضعتُ في عرب الصحراء قافلتي= وجئتُ أبحثُ في عينيكِ عن ذاتي
وجئتُ أحضانكِ الخضراء منتشيا = كالطفلِ أحملُ أحلامي البريئآتِ!
غرستِ كفّيْكِ تجْتثّين أوردتي = وتسحقين بلا رفقٍ مسرّاتي!
واغربتاه ! مضاع هاجرتْ مدني ! =عني ، وما أبحرتْ عنها شراعاتي
نُفيتُ واستوطن الأغرابُ في بلدي= ودمّروا كل أشيائي الحبيباتِ!
عند هذا البيت ضجّت القاعة بالبكاء ، ولاسيما ليلى التي كادت أن تجن
وهنا التفت حسن إلى ليلى مشيرا إليها قائلا ، واشار اليها وقال شطر البيت
خانتكِ عيناكِ في زيفٍ وفي كذبٍ = أم غرّكِ البهرجُ الخدّاع مولاتي ؟
فراشة جئتُ ألقي كُحْلَ أجْنحتي = لديكِ ، فاحترقتْ ظلما جناحات!
أصيحُ والسيف مغروز بخاصرتي = والغدرُ حطّم آمالي العريضاتِ !
فقامت ليلى منفعلة وقالت : أرجوك حسن يكفي ، فلقد أرغموني على الزواج من ابن عمي ، وهي عادة عربية ، إذ كان العربي يدفن ابنته حية في قبرها ، ولكنهم تغيروا ، فأصبحوا يتفننون في تعذيبها أكثر ، إذ يحرمونها ممن تحب ، ويجبرونها على من لا تحب .
فواصل حسن المرواني شعره وقال :
وأنتِ أيضا ، ألا تبّتْ يداك إذا = آثرتِ قتليَ واستعذبتِ أنَّاتي !
من لي بحذف اسمكِ الشفاف من لغتي= إذنْ ، ستمسي بلا ليلى حكاياتي
وهنا أغمي على ليلى ، وحملوها خارج القاعة ، بينما تسلل الم ايكرفون من يد حسن ، وغادر القاعة ، وغادر الجامعة ، وغادر بغداد ، وغادر العراق ، ليستقر في الإمارات العربية المتحدة ستة عشر عاما .
وأخيرا عاد إلى العراق ، وزار جامعة بغداد ، ليجد قصيدته الوحيدة وقد خطّت على جدار الجامعة ، تخليدا لتلك الذكرى الأليمة التي ولدت مثل هذه القصيدة الفريدة.
" أنا وليلى "
يقول كاظم الساهر : عندما قرأت كلمات قصيدة ( أنا وليلى ) بحثت عن شاعرها خمس سنوات ، وأخيرا نشرت نداء عبر الصحف أستفسر فيه عن الشاعر .
ذات يوم ، قابلني رجل بدت على وجهه سمات العذاب الأليم ، أخاديد من عذابات السنين تختزلها سمرة تحيط عينيه ، وكذا نحول في جسمه ، ومرارة حزن عات يبدو على تصرفاته !
قلت له : من أنت ؟
فقال : أنا صاحب القصيدة.( استبعدت ذلك تماما لعظمة وقوة القصيدة ، وضعف وهوان الرجل) .
واستكمل حديثه قائلا : أنا حسن المرواني ، لست شاعرا ، ولكني كتبت قصة وحيدة ، لم أقل غيرها من قبل ، ولن أقول غيرها من بعد .
أنا عراقي ، من مدينة ميسان ، من عائلة فقيرة ، كنت أشقى في كل عمل ، لأجمع تكاليف الدراسة . تفوقت ، فاندفعت بشغف للتعليم .
تعرفت على فتاة متوسطة الجمال ، تليق بحالتي المتدنية ماديا ، أحببتها ، وبدى لي أنها تبادلني نفس الشعور . همتُ بها هياما شديدا ، واتفقنا على الزواج بعد التخرج مباشرة .في آخر أيام السنة الأخيرة ، أتت ليلى ومعها خطيبها ممسكان بأيدي بعضهما .
وهنا : يكمل كاظم الساهر القصة ، قائلا :
انصدم حسن المرواني الشاعر المحب الفقير ، وترك الدراسة ردحا من الزمن . ولكن إدارة الجامعة لم تطوِ قيده ، لفقره وحسن خلقه . ثم كان يوم التخرج .
القاعة تعج بالحضور ، وفجأة حضر حسن المرواني ، وجلس وسط الحضور ، ليرى ليلى عن يمينه مع خطيبها ، حبس دمعة مخنوقة في عينيه ، وفجأة تدلى ميكرفون ، وصدح متحدث يقول : أيها الحضور الكريم ، ستسمعون الآن قصيدة الخريج حسن المرواني .
تلعثم المرواني قليلا ، ثم قام وأخذ المايك بيده وبدأ القصيدة قائلا :
سألقي عليكم قصيدتي الأخيرة في هذه المسيرة . والتفت يمنة ، كانت خطيبته واقفة بجوار خطيبها الجديد ، وقال :
ماتت بمحراب عينيكِ ابتهالاتي واستسلمتْ لرياح اليأس حالاتي
جفّتْ على بابكِ الموصودِ أزمنتي= ليلى وما أثمرتْ شيئا ندائاتي!
فبكت ليلى ، وقامت وقعدت على المقعد الأخير في تلك القاعة ودموعها تحرق مآقيها ، نظر حسن المرواني إليها من جديد ، ونظر إلى خطيبها خلسة ، واسترسل قائلا :
عامان ما رفّني لحنٌ على وترٍ = ولا استفاقتْ على نورٍ سماواتي
أعتِّقُ الحب في قلبي ، وأعْصرهُ = فأرشف الهم في مُغْبَرِّ كاساتي !
وهنا اغرورقت عينا حسن المرواني بالدموع ، فأكمل قائلا :
ممزّقٌ أنا ، لا جاه ، ولا ترفٌ يغريكِ فيَّ فخلّيني لآهاتي !
لو تعصرين سنين العمر أكملها = لسال منها نزيفٌ من جراحاتي
ثم أشار إلى ليلى بسبابته واسترسل قائلا :
لوكنتُ ذا ترفٍ ما كنتِ رافضةً = حبي ولكنّ ضعف الحال مأساتي !َ
عانيتُ عانيتُ لا حزني أبوح به ولستِ تدرين شيئا عن معاناتي!
أمشي وأضحك يا ليلى مكابرة =علّي أخبي عن الناس احتضاراتي
لا الناس تعرف ما أمري فتعذرني= ولا سبيل لديهم في مواساتي!
يرسو بجفني حرمانٌ يمصّ دمي =ويستبيح إذا شاء ابتساماتي !
معذورة ليل إن أجهضتي لي أملي= ما الذّنبُ ذنبُكِ بل كانت حماقاتي
أضعتُ في عرب الصحراء قافلتي= وجئتُ أبحثُ في عينيكِ عن ذاتي
وجئتُ أحضانكِ الخضراء منتشيا = كالطفلِ أحملُ أحلامي البريئآتِ!
غرستِ كفّيْكِ تجْتثّين أوردتي = وتسحقين بلا رفقٍ مسرّاتي!
واغربتاه ! مضاع هاجرتْ مدني ! =عني ، وما أبحرتْ عنها شراعاتي
نُفيتُ واستوطن الأغرابُ في بلدي= ودمّروا كل أشيائي الحبيباتِ!
عند هذا البيت ضجّت القاعة بالبكاء ، ولاسيما ليلى التي كادت أن تجن
وهنا التفت حسن إلى ليلى مشيرا إليها قائلا ، واشار اليها وقال شطر البيت
خانتكِ عيناكِ في زيفٍ وفي كذبٍ = أم غرّكِ البهرجُ الخدّاع مولاتي ؟
فراشة جئتُ ألقي كُحْلَ أجْنحتي = لديكِ ، فاحترقتْ ظلما جناحات!
أصيحُ والسيف مغروز بخاصرتي = والغدرُ حطّم آمالي العريضاتِ !
فقامت ليلى منفعلة وقالت : أرجوك حسن يكفي ، فلقد أرغموني على الزواج من ابن عمي ، وهي عادة عربية ، إذ كان العربي يدفن ابنته حية في قبرها ، ولكنهم تغيروا ، فأصبحوا يتفننون في تعذيبها أكثر ، إذ يحرمونها ممن تحب ، ويجبرونها على من لا تحب .
فواصل حسن المرواني شعره وقال :
وأنتِ أيضا ، ألا تبّتْ يداك إذا = آثرتِ قتليَ واستعذبتِ أنَّاتي !
من لي بحذف اسمكِ الشفاف من لغتي= إذنْ ، ستمسي بلا ليلى حكاياتي
وهنا أغمي على ليلى ، وحملوها خارج القاعة ، بينما تسلل الم ايكرفون من يد حسن ، وغادر القاعة ، وغادر الجامعة ، وغادر بغداد ، وغادر العراق ، ليستقر في الإمارات العربية المتحدة ستة عشر عاما .
وأخيرا عاد إلى العراق ، وزار جامعة بغداد ، ليجد قصيدته الوحيدة وقد خطّت على جدار الجامعة ، تخليدا لتلك الذكرى الأليمة التي ولدت مثل هذه القصيدة الفريدة.