-
ما قامت به جمعيّة البر بجدّة يُعتبر «ترست إسلامي»
د. عبدالله مرعي بن محفوظ
في البداية أنصح الرَّئيس السابق لجمعيّة البر بجدّة صالح التركي، وكذلك الرَّئيس الحالي مازن بَترجي، باقتناء كِتَاب الشيخ الدكتور عائض القرني -لا تَحزن- وكذلك قراءة مَقاله عن أصحاب (المعالي) الذين وصفهم بأنَّهم أهل الإيمان والإحسان، والصَّابرين على الأذى والتجريح، والذين دَعاهم إلى الصبر والهمّة في عمل الخير، وإكمال المسيرة في العمل، وقدَّم لهم نَموذج رائع وإن كان مِن أضعف المخلوقات أمام الإنسان، مِثل (النَّمل) الذي حذَّر ودَعا بني جنسه للحَذر والعَمل، فسطَّر في حقّه سورة مِن سور القرآن، فخذوا مِن النَّمل ثلاث عبر: الدَّأب في العمل، ومحاولة التَّجربة، وتَصحيح الخطأ، وكذلك مثال (النَّحل) الذي أكل طيّبا فوضع طيّبا، فجعل الله له سورة باسمه في الذِّكر الحكيم، فخُذوا مِن النَّحل ثلاث عِبَر: أكل الطيّب، وكفّ الأذى، ونَفع الآخرين.
الأمر الثاني: مِن الواضح أن العمل الخيري، والعمل الاجتماعي يَمر بمرحلة صعبة في الوقت الحالي، خاصَّة بعد دخول مَفهوم المسؤوليّة الاجتماعيّة للشركات، فأصبح رجال الأعمال يَبتعدون عن مَتاهات الأنظمة في وزارة الشّؤون الاجتماعيّة، ومِن شبه تمويل الإرهاب في الجمعيّات الخيريّة، بتأسيس إدارات لها في شركاتهم الخاصَّة بعيداً عن القِيل والقَال، خاصَّة بعد اللغط الذي حَصل في تقرير قناة العربيّة مَطلع عام 2009م، والتي أبرزت مساهمة جمعيّة البر بجدّة في شركة صدق الصناعيّة بقيمة ثمانية ملايين ريال لشراء 800 ألف سهم في ينساب الصناعيّة، والتَّقرير سَاهم في توسيع الفجوة داخل العمل الخيري. بعد تقرير العربيّة انطلقت آلاف التَّعليقات والانفعالات، ودخل عشرات الكُتَّاب في الصحف المحليّة بإلقاء التُّهم وتصفية الحسابات مع القائمين في الجمعيّة، أو مع الغرفة التجاريّة بجدة، ولم تَنفع حينها تَوضيحات مازن بترجي عن أهميّة هذا الاستثمار لجمعيّة البر، ولم يستطع صالح التركي بكُلِّ الأوراق القانونيّة التي يحملها بالرَّد على قانونيّة الاستثمار في وسائل الإعلام، واختفى حينها رئيس شركة صدق بندر الحميضي عن وسائل الإعلام لتوضيح حق الجمعيّة مع ضجيج المقالات، ووجدت فرع وزارة الشّؤون الاجتماعيّة بجدّة نفسها في خضم سندان المنفعة للجمعيّة ومقصلة الإجراء القانوني.
بعد الضَّجيج الإعلامي أمر وزير الشؤون الاجتماعيّة بتكوين لجنة تَحقيق حفاظاً على العمل الخيري والاجتماعي، مكوّنة مِن مُحاسب قانوني ومُستشارين شرعيين مِن إمارة مكَّة ومِن الوزارة ومن هيئة سوق المال للنَّظر في هذه القضيّة مِن النَّاحية القانونيّة والإداريّة، والتي خرجت بعد عدّة أشهر بتقرير مُفصَّل بأن جمعية البر اتّبعت النظام والإجراء الإداري الصَّحيح في حقّها الاستثماري، وكذلك هيئة سوق المال وجدت كل الأوراق الدالَّة على موافقة مجلس إدارة صدق في مناصفة جمعيّة البر بجدّة لسهم ينساب والمشاركة لا تحتاج نظاماً إلى موافقة الجمعيّة العموميّة لشركة صدق، بعد ذلك رفع التقرير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أمر وزارة الثقافة والإعلام بتعميم التقرير علي الصحف المحليّة، لقفل القضيّة.
الأمر الثالث: إن فكرة استثمار جمعيّة البر بجدّة في أسهم (ينساب) تُماثل دعوة الأستاذ صادق حماد محمد كبير المستشارين في بنك الإنماء وخبير المصرفيّة الإسلاميّة الذي استعرض مفهوم «الترست الإسلامي» وطالب بتخصيص أموال يتحوّل بعضها إلى أصول غير منقولة أو حافظة قيم منقولة تدرّ عائداً سنوياً وفي نفس الوقت تعتبر سيولة معدّة للاستثمار، وهذه الصيغة شبيهة بالوقف، ولكنّها تَختلف عنه مِن حيث التصرُّف وإمكانيّة تغيير شكله، وإبداله وتحويله بمرونة كبيرة، وإمكانية تسييله وصرفه في أغراضه أو أغراض شبيهة، في حين لا يجوز في الوقف الاستبدال أو تغيير شروطه إلَّا بضوابط شرعيّة.
وفكرة «الترست» موجودة في الشريعة الإسلاميّة تحت اسم «الأرصاد»، ولكننا نحتاج إلي جهود شرعية لإدخال الفكرة إلى الصناعة الماليّة الإسلاميّة في العمل الخيري، حتّى نتمكّن مِن استثمار أموال الجمعيّات الخيريّة وتطوير آلياتها بطريقة أكثر فاعلية، ويمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة باختلاف التشريعات ونظم الإدارة ولكنها في كل ذلك لا تخرج عن ثلاثة وهي: الترست الاستثماري، والترست الخيري، والترست الخيري الاستثماري، والنوع الأخير هو أقرب بما قامت به جمعية البر بجدة.
ختاماً للأسف تصطدم المبادرات الخيريّة بكثير من العقبات الإداريّة، خاصَّة بعد أن طلبت شركة صدق بحقها في الاحتكام إلى القضاء الشرعي وليس بتقرير اللجنة الوزارية، فكان لها ما أرادت من تأخير هذا الحق، والأسبوع الماضي صدر حكم القضاء الشرعي لصالح جمعية البر بجدة وبحقها في العائد الكبير من القرض الاستثماري وهو 32 مليون، ولكن إلى آخر نَفَس تَمسَّكت شركة صدق بحق الاستئناف ضد الحكم، وكذلك تَمسَّك الكُتَّاب في الهجوم على جمعية البر وأعضائها إلى آخر لحظة، لذلك أقول للقائمين على العمل الخيري والاجتماعي -لا تحزنوا- إن الله معكم، واسأل الله أن يبارك في عملكم وفي أبنائكم وأموالكم... آمين يا رب العالمين.
المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 14 إبريل 2010
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى